الشيخ آل سيف يشارك ببحث للندوة العالمية الثانية لتكريم العالم الرباني الشيخ ميثم البحراني (رحمه الله)

محرر الموقع

شارك الشيخ فوزي آل سيف ببحث قدمه للندوة العالمية الثانية لتكريم العالم الرباني الشيخ ميثم البحراني (رحمه الله) ‏المنعقدة في طهران ـ الجمهورية الاسلامية خلال 25ـ27 من ذي الحجة الحرام 1427 هـ بواسطة رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية ، وجدير بالذكر أن الندوة المذكورة كان من المقرر عقدها خلال 23 ـ 24 رجب من العام نفسه ، غير أن تأجيلها إلى هذه الفترة ، وارتباط الشيخ بالحج من جهة والاستعداد لموسم محرم من جهة أخرى عاق عن المشاركة المباشرة ، فاكتفى بإرسال بحثه الذي كان من المقرر أن يلقيه ، وضمن هذا البحث في الكتاب الذي سيصدر عن أعمال المؤتمر . وقد شارك في هذا المؤتمر من أبناء القطيف ، سماحة الشيخ عبد الله اليوسف والأستاذ عبد الباري الدخيل.


نص البحث:

بسم الله الرحمن الرحيم

التوجه التقريبي لدى الشيخ ميثم البحراني (رحمه الله)


بحث مقدم للندوة العالمية الثانية لتكريم العالم الرباني الشيخ ميثم البحراني رحمه الله
التي تنعقد في طهران خلال 23 ـ 24 رجب 1427
بواسطة رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية
والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية 

الشيخ فوزي آل سيف
القطيف ـ السعودية

مقدمة في أهمية إبراز نماذج التقريب ومناهجهم :

يتحسس كثير من المفكرين الإسلاميين أهمية إبراز نماذج التقريب ، ورواد الحوار والانسجام بين مكونات الأمة الإسلامية .. خصوصا مع ملاحظتهم للنتائج السيئة التي انتهت إليها خطوط التشنج المذهبي في الأمة . وما يزال الحبل على الجرار .. في أكثر من بلد إسلامي .
إن من الواضح أن في الأمة توجهات متعددة ، بعضها يدعو إلى الألفة والانسجام والتقارب ، وينظّر لذلك ويسعى إليه عمليا . وبعض يعيش حالة حراسة المذهب والحفاظ على الهوية الخاصة ، وقسم ثالث يتجاوز ذلك لكيلا يرى أفقا غير الهجوم على المذاهب الأخرى ، ولا يحمل رسالة غير تهديم ما عداه ..
وإن من المؤسف أن يكون القسم الثالث عند كثير من أتباع كل مذهب هو الأكثر تقديرا واحتراما ، بينما  لا ينظر إلى القسم الأول عند كل فريق بنظرة جيدة ، فدعاة التقريب الشيعة عند الشيعة ، ودعاة التقريب  السنة عند السنة ليسوا في التقدير والاحترام  كنظرائهم من حراس المذهب ، والذين يتبنون الهجوم على عقائد المذهب الآخر !
ولهذا فإن على المصلحين مسؤولية إبراز النماذج التقريبية من علماء وزعماء ، والتذكير بسيرتهم ، والعمل على إحياء مناهجهم في التقريب بين فئات المسلمين باعتبار ذلك هدفا ساميا ، وقيمة عالية .إن إحياء فكر السيد البروجردي ، والسيد شرف الدين ، والإمام الخميني والتبليغ لمنهجهم في التقارب والحوار لهو أمر لا يستغنى عنه عموما وفي هذه الفترات خصوصا .
كما أنه لا بد من فك الارتباط غير الصحيح بين قوة الهجوم على الخصوم وبين شدة الولاء للمذهب من جهة ، وبين الدعوة إلى التقريب والتعامل مع الآخر المذهبي بنفس مشترك وبين التفريط في الخصوصيات ، فإن ذلك مما لا صحة له . إن الانطباع السائد في الجهتين وكأن الداعية للتقريب والتقارب مفرط في حق أئمته  وقليل الغيرة على مذهبه ، بينما الرافض للتقارب والشديد اللهجة في خلاف ذلك ، هو المؤمن الحق .. ليس بصحيح .
ومن المهم في هذا الباب أن يتم إبراز المنهج الذي اتبعته تلك الشخصيات في طريقها التقريبي ، سواء كان ذلك من خلال المنهج في كيفية التعامل مع المسائل الخلافية  كما صنعه الشيخ ميثم في شرحه لنهج البلاغة وصنعه العلامة في تذكرة الفقهاء في الخلاف الفقهي ، وهكذا ما يقوم به بعض مراجع الأمة كالإمام الخميني  في التطبيع الاجتماعي عبر الفتاوى الفقهية .أو غير ذلك بحيث لا يكتفى بالحديث عن أهمية هذا العمل فقط .
وسوف يكون حديثنا محاولة لاستخراج ملامح من المنهج التقريبي الذي كان لدى العالم الرباني الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني رحمه الله .وسنلقي نظرة خاطفة على حياته ثم نتبعها بذكر شيء سريع عن عصره من جهة التطرف المذهبي ، لكي يكون ذلك مدخلا للحديث عن منهجه التقريبي .
ذكر مترجموه بأن ولادته كانت في سنة  623 هـ  بينما كانت وفاته سنة 679 هـ كما هو معروف عند أغلب المترجمين له لكنه لا يصح(1) لما ذُكر في مقدمة كتابه اختصار مصباح السالكين بأنه فرغ منه في سنة 681 هـ . ،والصحيح أنه توفي  سنة   699 هـ كما توصل إليه المرحوم الطهراني في طبقات أعلام الشيعة .
وقد ذكر آخرون دراسة الخواجة نصير الدين الطوسي عليه ، والعلامة الحلي ، بينما شكك بعض الباحثين في ذلك بالنحو المعهود من الدراسة والتلمذ ، وذلك لأن الحوادث التاريخية المذكورة في حياة هؤلاء الأعلام لا تساعد على مثل ذلك النحو من التلمذ ، واحتملوا أن يكون التفاعل بين هؤلاء الأعلام كان على طريقة المباحثات العلمية في المجالس التي تجمعهم ، واستفادة كل واحد من هؤلاء الأعلام من الآخر  في مجال تخصصه وإبداعه ، كأن يستفيد العلامة من الطوسي في مجال العقليات والثاني من الأول في النقليات والفقه وهما من الشيخ ميثم ، وهكذا ..خصوصا مع ملاحظة سفر الشيخ ميثم إلى العتبات المقدسة فيمكن أن يكون ذلك التفاعل خلال تلك السفرات ، وقد نقل عن الشيخ ميثم في هذه السفرات أنه كان كثير الاجتماع بالعلماء والمذاكرة معهم .

ويبدو أن العصر الذي كان الشيخ ميثم يعيش فيه ، كان لا يزال على وقع طائفي غير مستحسن ، فقد سبق عصره المشاحنات التي كانت بين البويهيين والسلاجقة ، والتي انتهت بانتهاء البويهيين على يد السلاجقة الذين دخلوا بغداد ، وصبوا زيت طائفيتهم على نار جهل العوام التي كانت متقدة أساسا . بل قد وجدنا في تلك الفترة وما بعدها تمتد الحالات المتشنجة إلى المدارس المختلفة في داخل المذهب الواحد كما كان يحصل بين الحنابلة وغيرهم حتى لقد تمنى بعضٌ أن يفرض الجزية على الحنابلة لو كان له من الأمر شيء .
أما المسألة الطائفية بين السنة والشيعة فلعل أوضح تعبير عنها ما نجده في كتاب منهاج السنة للشيخ أحمد بن تيمية ت 728 هـ .
غير أن هذا لا يشكل كامل الصورة في العالم الإسلامي آنئذ ، فقد كان إلى جانب هذا المنظر ، منظر آخر يحرص فيه عدد من العلماء على التلاقي والاستفادة العلمية ، والنظر إلى الآخرين بمنظار بعيد عن الحالة المتشنجة والشحن المذهبي  .ولا أدل على ذلك من المنهج الذي نلاحظه لدى شيخنا البحراني ، فقد وجدنا هذا التفاعل بينه وبين علماء المذاهب الأخرى ، إذ لم تمنعه مواقف بعضهم تجاه التشيع أن ينقل آراءهم ، متى وجدها نافعة كما هو الحال في نقله لكلام طويل عن الشيخ أبي حامد الغزالي ، في حقيقة التوبة من كتابه الإحياء بالرغم مما نقل من موقف الغزالي المتشنج تجاه  الشيعة(2) . إضافة إلى عنايته في شرحه على النهج بذكر أقوال علماء السنة في المسائل المختلفة ، ومناقشتها بنفس موضوعي هادئ بعيد عن التعبئة والشحن المذهبي . وإن الالتزام بمثل هذا المنهج في مثل تلك الظروف ليعد فضيلة كبيرة ، ويكشف عن وعي استثنائي بالصالح الإسلامي ، بحيث لا يستدرج لحالات التشاحن التي كانت سائدة آنئذ . ولهذا رأى بعض الباحثين أنه لابد أن يذكر للشيخ ميثم اعتداله في التشيع وتجنب الخوض في الخلافات واللعن(3).
ونحن لا نستبعد أن يكون هذا التوجه هو المتبادل بين الشيخ ميثم ، و( تلميذه وإن كان بالمعنى المشار إليه آنفا ) العلامة الحلي أو تأثيره عليه في الانفتاح على الأفق الآخر ، فقد درس العلامة على عدد من كبار علماء أهل السنة مثل علي بن عمر الكاتبي القزويني الشافعي ، وبرهان الدين محمد بن محمد النسفي الحنفي ، وابن الصباغ الحنفي . كما كانت له مع القاضي البيضاوي الشيرازي ، صاحب التفسير ، المتوفى ( 685 ه‍ ) مكاتبات تفصح عن الخلق الإسلامي والعلمي النبيل ، ومن تلك المكاتبات ، كتاب بعثه البيضاوي فصدره بقوله : مولانا جمال الدين ، أدام الله فواضلك ، أنت إمام المجتهدين في علم الأصول . . . فأجابه ابن المطهر بكتاب استهله بقوله : وقفت على إفادة مولانا الإمام أدام الله فضائله ، وأسبغ عليه فواضله(4).

ملاحظتان في شرح النهج :

في البداية لا بد أن نتوقف عند ملاحظة وهي أن كثيرا ممن كان همهم اصلاح الأمة ، والدعوة إلى التقريب بين أطياف الأمة كان لهم شيء من الاهتمام بنهج البلاغة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، فلقد حظي بالاهتمام من قبل الإمام الشيخ محمد عبده والدكتور صبحي الصالح ، ومن الشهيد مرتضى المطهري ، وآية الله شمس الدين وغيرهم .وقد يكون ما احتوى عليه النهج من أفكار في القمة ، تدعو هؤلاء وغيرهم إلى الاستضاءة بأنواره .
ومن هؤلاء الشيخ ميثم بن علي البحراني ، فقد شرح النهج شرحه الكبير باسم ( مصباح السالكين ) واختصره أيضا ، وله شرح ثالث يعتقد أنه يتحد مع شرحه للكلمات المائة المختارة من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) .
وأول ما يلفت النظر في شرحه للنهج هو أنه لم يكن قد مسوقا بظروف التقية التي تقتضي من البعض أن يختار ألفاظه بعناية حتى وإن كان معتقده خلاف ذلك , وإنما كان في ظرف يسمح له بحدود واسعة من الحركة في هذا المجال ، فإن الشخص الذي قدم إليه كتابه وهو علاء الدين الجويني الوالي في زمان أحمد تكدار ، يعد من موالي أهل البيت عليهم السلام ، ولم يكن مختلفا معه في المذهب ، وهذا يجعلنا نعتقد أن ما ذكره في شرح النهج  يمثل فكره ومنهجه في التعامل مع القضايا التي شرحها من كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)  . ويكسب هذا الشرح أهمية استثنائية .
وثاني ما يلفت النظر :عنايته بنقل أقوال الجمهور في مواضع الاختلاف ، وإنصافهم في النقل ، ثم نقد ذلك بما يعتقده من الدليل ..  فإنه عندما يتحدث عن قضية أبي ذر مع عثمان تراه ينقل رأي غير الشيعة فيها ، والقائل بأن الربذة كانت من اختيار أبي ذر بعد أن خيره الخليفة بين عدد من المواضع ، ثم ينقل رأي الشيعة القائل بأنه أخرج إليها من غير اختياره ، ويقوي الثاني باعتبار أن نص الخطبة عن الإمام يتناسب مع هذا الرأي ( إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك )(5).
كما يستوقف الناظر أنه يعالج المسائل تلك بنفس بعيد عن الشحن والتعبئة ولعل نظرة على عدد من الخطب والكلمات التي شرحها  ومقارنتها ببعض الشروح الأخرى تبين الفرق بين النحوين من الشرح : المتعقل والتعبوي .. هلم معي لننظر في بعض الخطب التي تتعرض إلى موضوع الخلافة ، وهو من المواضيع الأساسية التي تثير الخلاف بين فئات المسلمين كما هو واضح.

كيف عالج الشيخ ميثم مسائل الخلاف ؟

إن الشيخ ميثم الذي يتحدث عن الموضوع الأصلي في الخلاف في شرحه للخطبة الشقشقية(6) بنفس محايد يعرض في أصل ثبوتها إلى الخطأ الذي وقع فيه بعض الشيعة حيث ادعوا تواترها لفظا عن الإمام علي (عليه السلام) ، يتعرض إلى الخطأ الذي وقع فيه بعض السنة الذين ادعوا أن الخطبة  لا تصح نسبتها إلى الإمام وأنه لم يصدر عنه تظلم أو تشكٍ ، وبعد أن يقرر أن التصدي للاثبات والنفي في هذا المقام هو مظنة التهمة للشارحين . ينفي الأول ويعارض الثاني ، فلا تواتر لفظي كما يدعيه بعض الشيعة وإلا لكان معلوما لدى جميعهم ، ثم يبدأ في توجيه وتبرير فعل علماء السنة في إنكار صدورها عن الإمام ، بأنهم ربما أرادوا تسكين خواطر العوام من أنه لم يكن بين الصحابة الأولين الذين هم أشراف المسلمين وساداتهم  سوء أو خلاف ليقتدي بحالهم من سمع ذلك عنهم ! ويرى أن هذا مقصد لطيف . وأما لو كان المقصود هو أنه لم يقع فعلا شيء من ذلك الخلاف أو المنافسة في أمر الخلافة فإن ذلك لا يصح ولا ينكر حصوله إلا جاهل بالتاريخ وأخباره . ثم يذكر أن قضية التشكي والخلاف متواترة معنى .لتعدد نقلها واختلاف الفاظها .
* في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : فلأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة التماسا لأجر ذلك وفضله وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه : قال الشيخ ميثم : إن غرضه كان صلاح حال المسلمين واستقامة أمرهم ، وسلامتهم عن الفتن ، وقد كان لهم بمن سلف من الخلفاء الثلاثة استقامة أمر ، وإن كانت لا تبلغ عنده كمال الاستقامة . وفي نفس الشرح يقول : إن الفرق بين الخلفاء الثلاثة وبين معاوية في إقامة حدود الله والعمل بمقتضى أوامره ونواهيه ظاهر(7).
في شرح خطبة الإمام لما سأله أحدهم كيف استبد عليكم قومكم بالأمر ؟ فقال : أما الاستبداد علينا ونحن الأعلون نسبا والأشدون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  نوطا ، فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين والحكم الله والمعود إليه القيامة )(8)، قال في الشرح : بأن الذين شحوا بها على رأي الإمامية هم من تقدموا عليه في الإمامة ، وعند غيرهم هم أهل الشورى بعد عمر ، ثم قال : بعد ان ذكر استشهاد الإمام بصدر بيت ( فدع عنك نهبا صيح في حجراته ..) قال وجه المطابقة في الاستشهاد : أن السابقين من الأئمة وإن كانوا قد استبدوا بهذا الأمر فحديثهم مفهوم  إذ لهم الاحتجاج بالقدمة في الإسلام والهجر ة وقرب المنزلة من الرسول وكونهم من قريش فدع ذكرهم ونهبهم في هذا المقام ، ولكن هات ما نحن فيه الآن من حديث معاوية بن أبي سفيان(9).
شرحه خطبة الإمام ( لله بلاء ـ بلاد ـ فلان فلقد قوم الأود وداوى العمد وأقام السنة وخلف الفتنة ذهب نقي الثوب قليل العيب ..) فإنه في البداية قد نقل كلام بن أبي الحديد مترحما عليه ( وشتان بينه في هذا وبين من قيّده بسلاسل الحديد !)   الذي فسر المراد بأنه عمر دون أبي بكر لقصر مدة أبي بكر ، ودون عثمان لتشعب الفتنة في عهده ، ثم نقل ما ذكره القطب الراوندي من أنه أراد بعض أصحابه ورده بما قاله ابن أبي الحديد من أن ظاهر هذه الصفات في شخص قد ولي الخلافة ، ثم استقرب الشيخ ميثم أن يكون المراد هو أبو بكر دون عمر حيث قد انتقد في الشقشقية عهده(10) .. ثم طفق يجيب عن سؤال : كيف يجتمع هذا المدح مع ما هو معهود عند الشيعة من تخطئتهم للخليفتين ..
فانظر إلى الفرق بين هذا  التفسيره  وبين تفسير غيره كالميرزا حبيب الله الخوئي في كتابه منهاج البراعة.

التوجه التقريبي لا يتجاوز حقائق التاريخ :

غير أن  توجهه التقريبي  لا يجعله يتجاوز حقائق التاريخ ، أو يطوي عنها كشحا ، فهو يعلق على قول الإمام (عليه السلام) ( لم تكن بيعتكم إياي فلتة ) بأنها تعريض ببيعة أبي بكر حيث قال فيها عمر : إنها فلتة وقى الله المسلمين شرها(11) . لكن يبقى تقييم المسألة ضمن حدودها .
وهكذا الحال في بقية المواقف فإنه عندما يتكلم عن شرح خطبة ( اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قد قطعوا رحمي وأكفؤوا إنائي وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري  ..) يقول رأي الشيعة  إن المقصود بالمجمعين على خلافه هم الخلفاء الثلاثة قبله ، وقال غيرهم إن المقصود بهم هم المجمعون وقت الشورى فلا يدخل فيهم الشيخان ، والقول الثاني ضعيف(12) ..
وهكذا عندما يتناول في الخطبة الشقشقية مواضع النقد والاشكال التي وجهها أمير المؤمنين (عليه السلام) لخلافة الخلفاء الأوائل ، فإنه تعرض لها بالتفصيل .
وهكذا فإن موقفه هذا لا يستدعي منه أن يتنازل عن ثوابته العقدية فإن نفس هذا الشيخ هو الذي يؤلف ( استقصاء النظر في إمامة الأئمة الاثني عشر ) . والكتاب وإن لم نعثر على نصه إلا أنه من الطبيعي أنه ينطلق لإثبات إمامتهم .
ولعله لهذه الجهة التي تعتمد التوازن في الحكم على الأطراف الأخرى ، ,وأنه لم يعهد منه مسلك اللعن والشتم والتعبئة المذهبية وخصوصا ما يرتبط بالخلفاء الثلاثة ، نفى المحققون صحة نسبة كتاب ( الاستغاثة في بدع الثلاثة ) الذي يعتمد مؤلفه منهجا شديدا في هذه الجهة .. إلى الشيخ ميثم البحراني  .
فقد نقل العلامة المجلسي نسبة الكتاب إلى الشيخ ميثم في البحار في موضعين ، وكذا فعل صاحب الرياض ، والشيخ سليمان البحراني شيخ صاحب الحدائق ،  و الشيخ عبد النبي الكاظمي في تكملة الرجال ، وقد رد  صاحب الحدائق تلك النسبة بأن منهجه الذي نراه في شرح النهج وغيره من كتبه ، لا يتناسب مع الكتاب المذكور لا في هدف تأليفه ، ولا في نمط الحديث عن الخلفاء ولذا ردت نسبة الكتاب إليه ، من خلال تحليل نص الكتاب ومنهجية الشيخ ميثم .
( قال المحقق المحدث البحراني في اللؤلؤة بعد نقل ترجمة ابن ميثم ، عن رسالة السلافة البهية في الترجمة الميثمية ، لشيخه العلامة الشيخ سليمان البحراني ، وعد الكتاب المذكور من مؤلفاته ، وتوصيفه بأنه لم يعمل مثله ما لفظه : ثم إن ما ذكره شيخنا المذكور من نسبة كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة للشيخ المشار إليه غلط قد تبع فيه من تقدمه ، ولكن رجع عنه أخيرا فيما وقفت عليه من كلامه ، وبذلك صرح تلميذه الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني رحمه الله ، وإنما الكتاب المذكور كما صرحا به لبعض قدماء الشيعة من أهل الكوفة ، وهو علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي ، والكتاب يسمى كتاب البدع المحدثة ، ذكره النجاشي في جملة كتبه ، ولكن اشتهر في ألسنة الناس تسميته بالاسم الأول ، ونسبته للشيخ ميثم ، ومن عرف سليقة الشيخ ميثم في التصنيف ، ولهجته وأسلوبه في التأليف ، لا يخفى عليه أن الكتاب المذكور ليس جاريا على تلك اللهجة ، ولا خارجا من تلك اللجة )(13) انتهى .

وأخيرا :

فإن التنوع المذهبي في الأمة حقيقة لا يمكن تجاهلها ، والحوارات والنقاشات العقدية والفقهية أمر طبيعي ومفيد لإثراء الساحة العلمية والفكرية بمختلف النظريات ، غير أنّا  نحتاج إلى منهج في ذلك ، يطلق العنان من جهة لنتائج العقل والفكر ويكون على مستوى عال من الأخلاقية في التعامل مع الرأي الآخر ، والمذهب المخالف سواء في إنصافه أو في طريقة التعبير عنه وعن رموزه .. وهذا ما وجدناه في نهج الشيخ ميثم في شرحه للنهج .

الهوامش:

(1):اليوسفي الغروي محمد هادي في مقدمة كتاب النجاة في القيامة ص8

(2):د . زنكنه ، مقال في مجلة رسالة  التقريب عدد  53

(3):المصدر السابق

(4):السلفية بين أهل السنة والإمامية - السيد محمد الكثيري - ص 637 - 638‏

(5):مصباح السالكين ‏3/ 146  

(6):المصدر  1/ 253

(7):المصدر ج2/205‏ شرح خطبة 73     

(8):المصدر 3/ 293   خ 161

(9):المصدر ‏3/295 ‏

(10):المصدر  4 / 97

(11): المصدر ‏3/164‏

(12):المصدر ‏ 4/50‏

- مصدر الصور:شبكة راصد الإخبارية