الإنفاق بمستوى المرحلة

محرر الموقع
( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران:92) ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة:177) وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (البقرة:189) (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)(المائدة: من الآية2) مفردات غريب القرآن- الراغب الاصفهاني ص 10 : قوبل الاثم بالبر فقال صلى الله عليه وسلم (البر ما اطمأنت إليه النفس والاثم ما حاك في صدرك) مفردات غريب القرآن - الراغب الإصفهاني ص 40 : بر : البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر : أي التوسع في فعل الخير ، وينسب ذلك إلى الله تعالى تارة نحو : ( إنه هو البر الرحيم ) وإلى العبد تارة فيقال بر العبد ربه أي توسع في طاعته . وقد سئل النبي عن البر فتلا هذه الآية فإن الآية متضمنة للاعتقاد ، الأعمال الفرائض والنوافل . وبر الوالدين التوسع في الإحسان إليهما وضده العقوق قال تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم ) وعلى ذلك قوله تعالى ( وبرا بوالديه - وبرا بوالدتي ) . وجمع البار أبرار وبررة قال تعالى : ( إن الابرار لفى نعيم ) وقال : ( كلا إن كتاب الابرار لفى عليين ) وقال في صفة الملائكة ( كرام بررة ) فبررة خص بها الملائكة في القرآن من حيث إنه أبلغ من أبرار فإنه جمع بر ، وأبرار جمع بار . وبر أبلغ من بار كما أن عدلا أبلغ من عادل . والبر معروف وتسميته بذلك لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء .. انتهى يستفاد مما سبق أن البر هو أوسع مناحي الخير ، الذي يشمل الاعتقاد والعمل .. ويصرح القرآن بأن هذا لا ينال إلا بإنفاق ( محبوب الانسان ) من عافية ومال .. وحديثنا هو في القسم الثاني .. حيث ذكرنا أن مجتمعنا التابع لأهل البيت ) ع) مقبل على فترة استثنائية في الزمان ، والظروف المناسبة .. ولا شك أنه يهدف إلى أن ينال البر بأفضل صوره . لا بد من التذكير أن الانفاق وإن كان مطلوبا في كل وقت ، لكنه في بعض الأوقات يعتبر ضرورة ، يدور فيه أمر المرء بين الخسارة الكلية والربح الكلي ، فهو مربوط بالزمان . إن إنفاق المال في الزراعة في وقتها يعطي نتيجتها ثمرة ونماءا .. بينما صرف أضعاف ذلك في غير وقتها لا ينفع . وصرف المال في علاج مريض في أول أمره مفيد ، بينما لو تأخر إلى استفحال الداء فسيكلف شيئا كثيرا ولن ينفع .. وهذا مما يشير إلى أهمية الزمان ووقت الانفاق والعطاء . ونتحدث عن جانبين تكليفين بالانفاق ، أحدهما مستحب والآخر واجب . ونقدم الواجب : وهو أداء الخمس والحق الشرعي : فنقول : في تأسيس الدين لعلاقة الفرد مع مجتمعه المسلم ، جعله مسئولا عن المشاركة معه بالنصيحة والمشورة ، وببذل الجهد لبنائه ( حيث هو من مصاديق الانفاق ) وبالمشاركة المالية بنسبة هي ( 20٪) من الفائض عن حاجته ، والزائد عن مؤونته . يشترك فيها في رفع حاجة هذا المجتمع ، وسد الثغرات الموجودة فيه . وهذه المشاركة يرجع أثرها أولا إلى نفس الفرد ( تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا )(التوبة: من الآية103) ، ويعود نفعها إلى الدين والمجتمع . دعوة ذات شقين : ـ إلى الالتزام بهذا الواجب الالهي .. ـ وإلى التفكير في كيفية الصرف والانفاق ..وسيأتي الكلام عنها . والتكليف الآخر : وهو المستحب ، قيام الشخص بالوصية بثلث ماله .. لو كان موسرا .. وكان أولاده أغنياء ( فإنه قد ذكر أنه مع كونهم فقراء فالأولى أن يوصي بما هو أقل من ذلك ) . في الرواية أن أبا لبابة بن المنذر ، لما تخلف عن رسول الله بتبوك ، استشعر خطأه فربط نفسه بسارية المسجد ، ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التوبة:102) ، فلما نزلت قال : إن توبتي يارسول الله أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله ، فقال له : يجزيك بأ أبا لبابة الثلث . وفي رواية أخرى أن سعدا بن مالك ، قال : مرضت فعادني رسول الله فقال أوصيت ؟ قلت : نعم بمالي كله للفقراء ، وفي سبيل الله ، فقال : أوص بالعشر فقلت مالي كثير وذريتي أغنياء ، فلم يزل رسول الله يناقصني وأناقصه حتى قال : أوص بالثلث ، والثلث كثير !! بالطبع موقف الانسان هنا هو الأفضل وذلك أن الأول ( الخمس ) تكليف إلهي لا يستطيع الانسان الفكاك منه وإلا كان مذنبا ، بينما هو هنا متفضل ، وليس مطالبا به !! يبقى الحديث في توجيه هذه الانفاقات ، فإن من الاشكالات التي تطرح عادة في المجتمع أن قسما من الناس لا يقبلون على أداء الحق الشرعي ، لأجل أنهم لا يرون نتائجه وثمراته في مجتمعهم .. وهذا الكلام قسم منه مقبول وصحيح ، وقسم آخر يناقش فيه .. أما المناقش فيه ، فهو أن مسؤولية الانسان الخروج من عهدة ذلك ، ويستطيع لو أحرز رضى صاحب العصر في مورد أن يصرفه فيه ، لا سيما مع استجازته من الحاكم الشرعي ، وهذه الاجازة ممكنة . مثال : الحاج حسن العالي : استجاز من مرجع تقليده المرحوم الشيخ زين الدين ، في أن يصرف خمسه في دعم دراسة الفقراء وتحصيلهم العلمي ، معهد تدريب للطلاب ـ حدود 200 ـ طالب في كل سنة ، فأجازه .. وهكذا الحال بالنسبة إلى بيوت الفقراء .. توفي رحمه الله قبل سنة وثلاثة أشهر تقريبا .. مثال آخر : الخوجة الذين يتفقون مع المرجع من البداية على الصرف على أنفسهم . وأما الجانب المقبول والصحيح ، فهو أنه ينبغي التفكير في مصارف الحق الشرعي ، بل والإنفاقات المستحبة .. كالثلث والوقف ، وغيرها .. ذلك أنه لم تعد الصور السابقة من الانفاق ، كالانفاق على الأطعمة ، أو الأشياء المحدودة ، لم تعد هي الصور المطلوبة . مثال آخر : وهو الحاج حسين معرفي في الكويت الذي أوصى بعد اقتناعه بأن يكون ثلث ماله بعد موته لصالح مؤسسة ثقافية لنشر الكتب الدينية والاسلامية ، وقد نشرت تلك المؤسسة حتى اليوم مئات الألوف من الكتب . جوانب مما يطلب الصرف فيه : 1/ الحوزات العلمية ومراكز البحث العلمي في المنطقة .. إشارة إلى حوزتي الأحساء والقطيف ، والدعوة إلى دعم مراكز للبحث العلمي والفكري . كلام في مقدار ما يصرف على البحث العلمي والجانب الفكري .. 2/ المؤسسات الإعلامية التي تنشر الصورة الصحيحة للمذهب وأتباعه : القنوات الفضائية التابعة لأهل البيت . شبكات الانترنت التي يحاربها الآخرون بكل جهدهم .. المجلات والجرائد . 3/ حفظ أبناء وبنات المجتمع من العبثية والانحراف : لزوم تشكيل برامج متنوعة ، ونشاطات متعددة تستوعب أبناءنا في أطر سليمة وهادفة .. ماذا لو قام البعض من ذوي الأموال في المساهمة في محاربة المخدرات .. التعاون في القضاء على البطالة عن طريق مراكز التدريب : الاشارة إلى ما تقوم به الجمعيات ( جمعية القطيف مثلا في تدريب وتوظيف الشباب والشابات ) . 4/ نشر وتبليغ أحكام الدين وثقافة أهل البيت في الأوساط ، بشكل واسع ، ماذا لو صنعنا سلة كتب ( من عشرة كتيبات مختصرة فيها العقائد ، والتاريخ ، والفقه والأخلاق ) ووزعنا مثلا مئة ألف منها ؟ قد تقول هناك عقبات ، ولكن ( المرء يطير بهمته كما يطير الطير بجناحيه ) . إن شخصا واحدا يؤلف اليوم موسوعة عن الحسين u من 500 مجلد ، قد أنجز أكثرها . ( السيد الطباطبائي : توجه إلى كتابة ثلاثة كتب موجهة لمن يسلمون حديثا في تعريف مذهب أهل البيت : الشيعة في الاسلام ، القرآن في الاسلام ، حوارات .. وقد ترجمت للغات حية ، وكان لها أثر فعال .) . 5/ الجوانب الاجتماعية : لجان الزواج ، ولجان إصلاح ذات البين ، ولجان إعانة الفقراء . ومن المهم أولا وأخيرا أن تبقى علاقة المؤمن الغني بالمجتمع وبالعكس علاقة تفاعل ، عطاء من جانب واحترام من جانب آخر ، ففي رواية أبي بصير قال : ( ذكرنا عند أبي عبد الله عليه السلام الأغنياء من الشيعة فكأنه كره ما سمع منا فيهم ، فقال : يا ابا محمد إذا كان المؤمن غنيا وصولا رحيما له معروف إلى أصحابه أعطاه الله أجر ما ينفق في البر مرتين ضعفين ) ..