يحتفل شيعة أهل البيت في كل عام بذكرى شهادة الإمام الحسين ، وتختلف صور هذا الاحتفاء والاحتفال ، من بكاء وعزاء ، ولطم وإقامة مجالس ومنتديات ، وعمل تشابيه ومسرحيات ، ولبس سواد ، وإطعام طعام وغير ذلك من الصور ..لكنها تتفق على إقامة هذا المهرجان وتعظيم هذه الشعيرة !
وربما يعترض البعض على هذا باعتراضات :
ـ الأول : أن تجديد المصاب غير محبوب في الشرع ، وإنما ورد فيه أنه ثلاثة أيام ، وبعدها ينبغي أن يترك العزاء .
ـ الثاني : أن ما يرافق إحياء الموسم من بكاء ونوح يلازم السخط على القضاء الالهي ، والمفروض أن الانسان يكون راضيا بقضاء الله وقدره .
ونتعرض في البداية إلى إجابة سريعة على هذين الاعتراضين ، ثم نبين أهمية تجديد الذكرى في الفكر والمجتمع .
أما الاعتراض الأول:
فيمكن الإجابة عليه بأن ما كره فيه تجديد المصاب هو ما إذا كان الفائت أمرا شخصيا وذا نفع دنيوي فهنا لا ينبغي الاستمرار في اجترار الحزن عليه ، ( لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما اصابكم ) . فإن ذلك مما يخالف الثقة بما عند الله ، والرضا بما أعده للصابرين .
وأما لو كان الفائت أمرا يتصل بالدين والعقيدة ، فلا مانع من ذلك لو كان استمرار الحزن يجعل المتألم والحزين أكثر التصاقا بعقيدته ، ولذا وجدنا الإمام أمير المؤمنين يقول ( فلو أن امرء مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان عندي ملوما بل كان عندي به جديرا ) . ووجدنا كيف أن بعض الأنبياء تألم حتى ( ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) ولنفس الغرض فقد بكت الزهراء على أبيها مدة بقائها بعده .. والسجاد على أبيه الحسين .
ولعله لهذه الجهة فقد ورد أنه ( كل الجزع مكروه خلا الجزع على أبي عبد الله ) .
وأما الاعتراض الثاني : فإنه لا ملازمة بين البكاء وعدم الرضا بالقضاء ، فقد يسخط شخص من قضاء الله ولا يبكي ، كما أنه قد يبكي شخص وهو راض بقضاء الله ، فانظر إلى موقف رسول الله 1 ( إن العين لتدمع والقلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب ) . وموقف الحسين حيث كان يبكي على أصحابه وأهل بيته ويقول ( رضا بقضائك وتسليما لأمرك ..) .
وأما منافع هذا الاحتفاء ، ومبرراته فهي كثيرة ، نذكر منها :
1/ تأثير القضية الحسينية في السلوك ، وهذا أثر تربوي هام .. إن السلوك الانساني يتبع الخلفيات الفكرية التي تكون لدى الانسان ، ومن يعاصر هذا الاحتفاء يتركز في ذهنه عدد من القيم النبيلة ، هي التي تساهم في حركته .. الحساسية تجاه الظلم ( من يبكي لأجل أن طفلة قد ضربت ، يفترض أن لا يمارس الظلم بنفسه ، كيف تكون الدمعة صرخة اعتراض ضد إراقة الدماء .. )
2/ تركيز الجانب الولائي في النفوس : تشتد الحاجة إلى مواسم ومراسم تؤكد الموقف القلبي ، والانتماء النفسي ، تماما مثلما هو حاصل في العبادات ، فإنها تؤكد المفاهيم العقدية ، الحج وكيف هو مدرسة في التوحيد ، والصلاة وكيف تكون مدرسة للخضوع والعبودية ,, وهكذا .
3/ إحياء أمر أهل البيت ونصره : ما هو أمر أهل البيت : هو أمر الله كما في حديث عن الصادق .
كيف يحيى : ـ عن الرضا : رحم الله من أحيا أمرنا . قيل وكيف يحيي أمركم قال : يتعلم علومنا ويعلمها للناس فإن الناس لو عرفوا محاسن كلامنا لاتبعونا .
الرضا ـ من جلس مجلسا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب .
وعن الصادق : رحم الله امرء اجتمع مع آخر فتذاكرا فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياء لأمرنا ، وخير الناس بعدنا من ذاكر أمرنا وعاد إلى ذكرنا .
بل إنه اعتبر تذاكر ما جرى على الحسين والبكاء عليه ، نصرة له في الدنيا ، ففي الخبر عن الباقر أنه تلا هذه الاية ( انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ) الحسين بن علي منهم ، ووالله ان بكاكم عليه وحديثكم بما جرى عليه وزيارتكم قبره نصرة لكم في الدنيا ، فابشروا فإنكم معه في جوار رسول الله 1 .
من ما سبق يمكن القول : أن الأمر : الذي هو أمر الله ، وهو أمر الإمامة والإيمان بأهل البيت ( حتى يوفقه الله لهذا الأمر ) والذي هو عنوان للتشيع ، يمكن إحياؤه بوسائل :
ـ اللقاء بين المؤمنين : فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياء لأمرنا . ( يا فضيل تجلسون وتتحدثون ؟ إني لأحب تلك المجالس ..) شعر السيد الحميري : إني لأكره أن أطيل بمجلس لا ذاكر فيه لآل محمد ..
ـ إيصال معارف الأئمة وحسن كلامهم للناس : هذا ايضا فيه حياة لأمرهم لأن الناس ستصل إلى الإيمان بهم .
ـ البكاء على الحسين : والله إن بكاكم عليه وحديثكم بما جرى عليه ، نصرة.