النبي الحسين المهدي : خط مشترك
خط مشترك ، يبدأ بخاتم الأنبياء وينتهي بخاتم الأوصياء ، مرورا بالعقد الرابط : الحسين .
حسين مني , وأنا من حسين ، و( المهدي من ولد الحسين ) .
ثلاث ثورات : تغييرية كبرى منتصرة تحمل نفس الأهداف ، ويقوم فيها أربابها بنفس الأداء ، ضمن المخطط الرباني المرسوم للبشر .
يأتي في الأولى النبي المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) لكي يرفع الراية ، ويعلن فيها الحرب على الإصر بما هو شهوات نفسية ، وضلالات فكرية ، وأوهام ذهنية ، فيحطم كل تلك المعوقات لفكر الانسان وبصيرته ، حتى ينطلق عقل الانسان وفكره من أسره ، وتوقفه . إلى حيث يريد الله منه .
ويعلن الحرب من جهة أخرى على الطغيان والاستبداد لكي يحطم الأغلال والأصفاد ، التي يرزح تحتها الانسان ، لكي يحقق بعد ذلك للانسان : الحرية والكرامة ، والسمو الروحي والمعنوي إضافة إلى التقدم المادي . وهكذا فقد كانت رسالته أنه ( يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) .
وينتصر ذلك الانتصار الذي نعته ربه بأنه فتح مبين ، وبأن الناس فيه قد دخلوا في دين الله أفواجا بعد أن ( جاء نصر الله والفتح ) .
ويأتي في الثانية الحسين بن علي : الذي كان ( من النبي والنبي منه ) فيرفع نفس الراية والشعار والأهداف ،بل ( أليست هذه عمامة رسول الله أنا لابسها ، أليس هذا سيف رسول الله أنا متقلده ) ، فكما سعى النبي إلى حرية الناس وتحريرهم ، أطلقها الحسين ( كونوا أحرارا في دنياكم ) . وكما كان الحق غاية النبي وإبطال الباطل هدفه ، عاد الحسين ليستنكر على الناس ( ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ) ؟
ذلك أن قوى الانحراف عادت لتعيث في الاسلام فسادا ، وغيرت المسيرة الرسالية للنبي ، وسيطرت على الأمة في أهم مفاصلها ، حين أصبح يزيد أميرا للمؤمنين ، فكانت تحتاج الأمة إلى نهضة أخرى ، بنفس مقاييس الأولى ، وبنفس اهدافها ، وبمستوى أداء صاحبها ، فكان الحسين بن علي(عليهما السلام) . وقد تحقق له النصر كما تحقق لجده المصطفى في ثورته الأولى .
أي نصر أكبر من أن يبقى الحسين ونهجه ويذهب يزيد شخصا ونهجا إلى قعر النسيان ، والتجاهل ؟ وأي قوة أقوى من أن يؤثر الحسين في ملايين البشر مع أن ما بينهما من المسافة الزمنية تتجاوز ثلاثة عشر قرنا ؟ لقد تحول الحسين إلى مسيرة فأصبح اسمه ذكرا على شفاه الثائرين ، وحياته خريطة للمطالبين بالعدالة .
والثورة الثالثة التغييرية على مستوى العالم : ثورة المهدي الحجة بن الحسن المنتظر عجل الله تعالى فرجه ، فإنها سوف تأتي لتكرس العدل نظاما للبشر ، وتملأ الأرض حبا وكرامة وعدلا ، بعدما ملأها الظالمون شرا وجورا وحقدا .وقد وعد الله سبحانه أن يظهر بها دينه (ُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(التوبة: من الآية33).
النقطة الأخرى : أن هذه الشخصيات مقدسة وينبغي أن يحافظ على قداستها بين المسلمين أولا ، ثم على مستوى الانسانية ثانيا . وخصوصا في هذه الفترة حيث يتعرض نبي الاسلام (صلى الله عليه وآله) إلى إساءة من قبل جهلة سفهاء ، هم يعتدون بإساءتهم إلى النبي :
أولا : يعتدون على الذات الالهية ، فيكون مثل هذا العمل بحكم التجديف في حق الله تعالى ، وذلك أن الله سبحانه قد ربط بين نبيه وبين ذاته المقدسة ، في البيعة والطاعة والذكر ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )(الفتح: من الآية10) ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )(النساء: من الآية80) .وقرن اسمه باسمه فكان عنوان الانتماء في الاسلام : الشهادتين .
وثانيا : يعتدون بهذا على الأنبياء ، عيسى بن مريم ، وموسى بن عمران ، وباقي الرسل فإنه إذا تعرض سيد الرسل وخاتمهم إلى اعتداء ، فهل يسلم من دونه من ذلك ؟
وثالثا : يعتدون بهذا على القيم الانسانية العليا ، كالحق والكرامة والحرية وسائر القيم التي جاء النبي الأعظم ليدعو إليها ولتكريسها ومارسها أثناء حياته الشريفة ودولته ، فإذا اعتدي على قدس رسول الله فقد اعتدي على هذه القيم .
ولا يمكن التعلل بـ ( حرية التعبير ) كما زعم بعضهم فإن حرية التعبير إذا لم تضبط بضابط تحولت إلى فوضى ، وإذا لامست مقدسات الآخرين صارت اعتداء ، ودعوة للحقد . على أن هذا الشعار لا يخلو من الانتقائية فلماذا حوكم روجيه غارودي أمام محاكم متعسفة عندما ناقش موضوع المحرقة اليهودية ، وكشف زيف الادعاء به ، وتم سجنه ؟ ولماذا يحاكم بعض المسلمين عندما يدعون إلى الجهاد مع الغربيين ؟ ونحن إنما نقول ذلك إلزاما فقط .
هذه كلمة للخارج ، وأهم منها كلمة للداخل الاسلامي ، فإننا نعتقد أن مما يصنع التقديس للشخصية عند الآخرين هو ممارستها في الوسط الاسلامي نفسه ، ولهذا :
ـ فإننا نعتقد أن من المهم أن تصفى الكتب من الموروث الثقافي الذي فيه نحو تنقيص ـ ولو كان غير مقصود للنبي (صلى الله عليه وآله) ـ وتوجد صورة ناقصة للنبي في بعض كتب المسلمين .
ـ نعتقد أنه من المهم أن يتحول التقديس القلبي إلى صورة ظاهرية في الممارسة ، مثل الصلاة المعهودة على النبي محمد ، والتي يلتزم بها فريق من المسلمين ، فلماذا لا تتحول إلى ظاهرة عامة لدى المسلمين بحيث تغدو شعارا كلما ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) في محفل ؟ هذا مع تأكيد القرآن والنبي عليها ؟
ـ لماذا يصر بعض المسلمين على فتاوى تنتهي إلى مقاومة تقديس النبي ، من قبل الأمة .؟ مثل منع الاحتفال بمولده الشريف ، أو ذكرى وفاته حيث تكون تلك مناسبة يتحدث عنه وعن سيرته ؟ ولماذا يتم الاصرار على منع زيارة قبره دينيا بفهم خاطئ لما قيل من حديث ينسب له ( لا تشد الرحال ..) . ولماذا يستكره التبرك به وبآثاره ؟ ولماذا ..
وهكذا الحال بالنسبة للحسين(عليه السلام) فإنه ليس شخصا خاصا بطائفة ، ولا معنونا بحدود جغرافية وإنما هو سيد شباب أهل الجنة ، وهو ثروة المسلمين للإنسانية ، وكنز الاسلام للبشر ، فلماذا تبدو المناسبة وكأنها شيعية لا شأن لباقي المسلمين بها ؟ لماذا لا يتعرض إلى عطاء الحسين ، ولماذا لا يكتشف باقي المسلمين هذا الكنز ؟ إن إحياء ذكراه والبكاء عليه وتجديد العهد بمبادئه ونهضته يجب أن لا يكون وقفا على فئة .
ومثله قائد الثورة العالمية المهدي عجل الله فرجه ، حيث أن من عقيدة كل مسلم ، الاعتقاد بالمهدي ـ بالرغم من اختلاف التفاصيل بين المذاهب والفرق ، والكلام في أصل العقيدة المهدوية ـ فإن من المهم تقديس هذه الأسماء المباركة ، وتحويل هذه الحالة القلبية إلى ممارسة عملية واجتماعية .