ماذا نصنع تجاه الاختلافات الداخلية ؟

محرر الموقع
( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود:119) ـ قراءة تحليلية للآية .. ماذا يعني ( أمة واحدة ) ولماذا قال في موضع آخر ( كان الناس أمة واحدة ) ؟ ـ الاختلاف هل هو حالة صحية أو مرضية ؟ وماذا يعني : اختلاف أمتي رحمة ؟ وقول الصادق : إذا كان الاختلاف رحمة فالاجتماع عذاب ! ومعنى الاختلاف كما بينه الامام ، وهو الاختلاف إلى العالم ، والذهاب إليه . مواقف الناس تجاه الاختلافات : 1/ موقف إنكار وجوده .. وهذا موقف يتخذه في الغالب البسطاء فكرا ، والمقولبون الذين لا يستطيعون رؤية الواقع ، وإنما ينظرون إلى قوالبهم ، فيكذّبون وجود الخلاف .. وجود خلاف بين أصحاب النبي 1 مما لا ينكره أي ناظر إلى التاريخ إلا أصحاب هذا الموقف .. فيحاولون تأويله ، أو تكذيبه .. في العالم المعاصر عندما بدأت التيارات في إيران تتبلور بشكل واضح في تيار فكري ( سياسي واقتصادي واجتماعي ) أطلق عليه عنوان الاصلاحيين ، وفي الطرف الآخر كان هناك تيار فكري مخالف له غالبا في كل تلك المجالات ، أطلق عليه عنوان المحافظين ، كان لبعض الناس هذا الموقف فكانوا ينكرون وجود تيارات في تلك البلاد ، وأنهم كلهم قلب واحد وفكر واحد !! وعندنا في البلاد حين أفرزت الانتخابات في الوسط السني توجهات دينية مختلفة ، تنشأ من مدارس متعددة ، وكتب الصحف والمجلات ، ومواقع الانترنت كان رأي قسم من الناس ممن هم على هذا المنهج ، تكذيب وجود هذه التيارات ، وكانوا يصرحون بأن ما يقال كله كذب ، وأن البلد بلد التوحيد على منهج أحمد بن حنبل .. وأنه لا يوجد هناك هذه التيارات .. وكذلك في الوسط الشيعي عندما يتأمل البعض ، يقول إنه لا يوجد هناك توجهات أو تيارات أو اختلافات .. وكلهم يتبعون الأئمة والحمد لله .. ولاشك أن أصحاب هذا الموقف يريحون أنفسهم ، من عناء الفهم والتأمل ، ويوفرون على أنفسهم مشقة استيعاب مثل هذه الاختلافات ! لكنه موقف بعيد عن معرفة الواقع ، والتعامل معه جدا . 2/ الموقف الثاني هو الاعتراف بوجود الاختلاف ، والتذمر منه والتبرم به ، وانتقاد الاطراف والجهات جميعها حيث أنها لم تتفق ، وهكذا طلب الصورة المثالية ، التي لم تحدث في أي وقت من الزمن ، لا في زمان المعصومين ولا من بعده .. حيث كان هناك تباينات في المذهب الواحد ، واختلافات داخل الجماعة الواحدة .( ولا يزالون مختلفين ) . ويتخذ بعض الناس هذا الموقف لكي يكون مبررا لهم في ترك الجميع ، ونبذ الفاعلية والنشاط .. ويضعون شرطا أنه إذا لم تتفق هذه الجماعات ، ولم تتعاون فئات المجتمع ، فإننا نترك العمل ولا نعمل مع أحد , وربما لا يقول هؤلاء هذا الكلام بلسانهم ولكنهم يقولونه عمليا . يقولون قبل العمل لا بد من وحدة العاملين ، وقبل كل شيء لا بد من الاتفاق بين التيارات .. ولأن هذا لا يحصل ـ بحسب الفهم الاجتماعي لطبيعة التيارات والتوجهات ـ فإنهم يؤجلون باقي المشاريع والنشاطات إلى أجل غير مسمى ! 3/ الموقف الثالث : الاعتراف بوجود الاختلافات ، واتخاذ موقف الانتماء إلى جهة من هذه الجهات بقوة وتهميش بقية الجهات ، ومقاومتها بكل الوسائل ، حتى لا تحصل على وجود في المجتمع ، وتصبح رسالة هذا القسم من الناس تحطيم المختلف ..والفئة الأخرى .. بل ربما تقدم هذا حتى على مقاومة الأعداء الحقيقيين الذين هم أعداء جميع تلك الفئات .. ومع الأسف يمكن أن نقول أن جانبا واسعا من نشاط العاملين في مجتمعاتنا الاسلامية قد ضاعت ضمن هذا الإطار ، وأن معارك حامية الوطيس بين التيارات العاملة في الوسط الشيعي في البلاد ، وفيما بعد في الوسط الاسلامي ، قد استهلك فيها من الطاقات ما لو وجهه الجميع إلى العدو المشترك لهم لاستطاعوا الانتصار عليه .. لسنا بحاجة إلى أن نبين أن هذا الموقف خاطئ وأنه يحصل فيه تجاوز للقيم الدينية والأخلاقية التي يفترض أن الجميع يدعون إليها ، ويسعون لتحقيقها . 4/ الموقف الرابع : الاعتراف بالاختلافات ، وتعدد وجهات النظر في المجتمع ، وأن أبناء المجتمع لم يخضعوا لعملية استنساخ بشري في أفكارهم وآرائهم وتصوراتهم حتى تأتي أحكامهم واحدة أو متفقة . إن اختلاف تصور الأشياء ينتج عنه اختلاف الحكم عليها بشكل طبيعي .. واختلاف التصور لتلك الأشياء هو أمر يكاد يكون بديهيا ، فإن الانسان ابن بيئته الثقافية ، ومحيطه التربوي ، وأفقه الاجتماعي ـ إضافة إلى نوازعه هو وطبيعة شخصيته الخاصة ـ وهذه لا تكاد تتكرر في اثنين فضلا عما زاد ! ويؤمن أصحاب هذا الموقف بأنه مع الاعتراف بهذه الاختلافات لا بد من وجود آلية لتقنينها . وليس هذا بدعا من المجتمعات ، فقد وجدنا المجتمعات الغربية التي سبقت مجتمعاتنا في التحديث بلا ريب ، قد اعترفت بخلافاتها ، وأوجدت آليات مناسبة لتقنين تلك الاختلافات ، وأخرجتها في الغالب من حالة الانفعال الشخصي إلى حالة التمثل الظاهري في تجمعات يعرف كل تجمع أهداف وأساليب التجمع الآخر ، ويعترف بها ، ويكون ميدان النجاح هو المجتمع نفسه . لقد وضعوا آلية للاشتراك في البرامج ، بحيث تستطيع فئة أن تتعامل مع فئة أخرى بغض النظر عن متبنياتها الفكرية ، على اساس المصلحة الاجتماعية المشتركة ، أو الدينية الجامعة لو كانتا فئتين دينيتين ، ونحن نشهد في العراق الآن : المثال القريب شيئا من هذا حيث تتعامل الفئات والأحزاب بناء على الاتفاق على مصلحة جامعة بين طرفين أو أكثر !