كيف يفكك الإسلام بنية الاستبداد؟
تعريف الاستبداد : الاستئثار والاستحواذ ، والانفراد بالرأي في شؤون الجماعة فهو اغتصاب لحق مشترك . ثم اكتسب هذا اللفظ معنى سياسيا ، فأصبح يشير إلى نمط من الحكم ، فيقال حاكم مستبد ونظام استبدادي .
* والاستبداد قد يقابله : المشاورة ، وجمع آراء الناس ، وقد يقابله الحرية في النظام ، والنظام الحر أو الديمقراطي ، أو الذي يعتمد الشورى .
* من هو المستبد ؟ قد يتصور أن النظام السياسي هو الوحيد الذي يعنون بالاستبداد ، ولكن الواقع أن في كل شخص مشروع استبداد لو لم يسيطر عليه بالتهذيب والتربية . في كل شخص مشروع طغيان وتفرد ..
ـ الوالد في البيت قد يكون مستبدا : عندما يفرض الصحيح والغلط لأنه قوله ، وأن كلمته لا تتثنى وقوله لا يراجع ، وإذا قال لا يقال له كيف ولماذا ؟ والأم قد تكون مستبدة في حق بناتها عندما تتحكم من دون تعقل ، ولا مشاورة ، ترفض زواج ابنتها من فلان لأنها لا تشتهي أمه !
ـ الزوج من الممكن أن يكون مستبدا عندما يتصرف على طريقة ( كيفي ) ويقسر زوجته على شيء لأن كيفه هكذا !
ـ المسؤول في الدائرة ( مع توضيح لكلمة المسؤول ، نقلنا المصطلح ولم ننقل الثقافة والمعنى ) وطريقة : أنت تعلمني شغلي ! والتهديد بعدم إنجاز العمل للمواطن . ثقافة ( لن نسمح لأحد أن ..)
ـ المدرس في المدرسة مع الطلاب : المعلمة التي قالت لطالباتها يا حمير ! ولما اشتكت إحداهن أصرت على ذلك واستثنتها !
ـ رجل الدين مع الناس ، من الممكن أن يبتلى بالاستبداد ..
ـ الانسان العادي في المجتمع : يدخل تجمعا عاما فيرى أن الحق له فيه ، مسجد فيطفئ التكييف لأنه هو لا يريده ، في مكان آخر فيضع الموسيقى أو غير ذلك مما لا يريده الجمع .. اللي يريد وإلا يضرب بالحائط رأسه !!
ـ الولد مع أخيه وأخته ، عدم القبول حتى بالاستماع ، يشير إليه : اسكت ما أريد أن أسمع نصيحة !
مناشيء الاستبداد :
1/الاعجاب بالرأي والاستغناء بما يحمله الشخص ، وذلك ناشيء عن تضخم الذات في عين صاحبها ، مثل ذلك الذي خطب خطبة أعجبته ، فقالوا كثر الله أمثالك ، فقال لقد كلفتم الله شططا ! .
2/ فكرة خاطئة عن أن المشاورة ضعف ، والاستبداد قوة ، مثلما قال عبد الله بن طاهر : لأن أخطئ مع الاستبداد ألف خطأ أحب إلي من أن أستشير وأُرى بعين النقص والحاجة . فكرة إنما العاجز من لا يستبد .
3/ قبول المحيط بممارسات المستبد : فإذا سار الأب في العائلة هكذا وحصل على مطلوبه ، وسار المعلم بين طلابه هكذا ولم يجد من يوقفه ، استمرأ الطريقة وأصبح يمارسها باستمرار فيبنى جيل مستبَد به ، ومستعبد .. يمارس حياته بهذا النحو .. أما إذا لم يقبل القائد ذلك ، ورفض الاستخذاء فإنه يمنع الاستبداد . قال أمير المؤمنين ( فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ، ولا تظنوا بي استثقالا من حق قيل لي ، ولا التماس اعظام لنفسي .)
وقوله لدهاقين أهل الأنبار لما ترجلوا له واشتدوا بين يديه ، قائلين إنه خلق نعظم به أمراءنا ..قال : والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم وإنكم لتشقون على أنفسكم وتشقون في آخرتكم ) .
كيف يفكك الاسلام بنية الاستبداد؟
مستويان : أخلاقي وقانوني :
ـ الأخلاقي بأن يقبح الانفراد بالرأي ويبين نتائجه :الصادق ـ المستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل .
ـ أمير المؤمنين : ينبغي للعاقل أن يستديم الاسترشاد ويترك الاستبداد . من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها . وأفضل الناس رأيا من لا يستغني عن رأي مشير .
من استشار لم يعدم عند الصواب مادحا ، وعند الخطأ عاذرا . الحزم أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره
ـ وقال معمر بن خلاد : هلك ( مات ) مولى لأبي الحسن الرضا فقال : أشر علي برجل له فضل وأمانة ، قلت : أشير عليك ؟ قال : نعم إن رسول الله كان يستشير أصحابه ثم يعزم على ما يريد .
ـ وكان موسى بن جعفر رأيه ممن يوازن به الجبال وربما شاور الأسود من غلمانه ..
وقانوني :
وهو الالزام بالمشاورة ، بين الراعي والرعية ، وتأسيس المجتمع الاسلامي على أساس المشاورة ، والعائلة أيضا على ذلك .( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159) لو نظرنا إلى العلاقة التي كانت بين القائد وبين رعيته في الجاهلية لرأينا أنه لا وجود لرأيهم مع رأيه ، حتى مع خطئه فإنه يسير على طريقة ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ) و ( هل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد ) ، فجاء القرآن الكريم لكي يقول للنبي وهو المعصوم عن الخطأ وأكمل الناس عقلا : أن شاورهم . ( طبعا المشاورة هنا في الأمور النظامية العامة لا العبادية ) وهو أمر جدي وليس صوريا ويشهد له ما بعده ( فإذا عزمت ) أي على أحد الآراء ، بل حتى لو قلنا إنه لتطييب الخواطر كان ينبغي أن يكون الأمر جديا ، إذ أي تطييب للخواطر إذا علموا أنه صوري ولن يؤخذ برأيهم مع استفراغ جهدهم في النظر والرأي !.. نعم هناك بحث في أنه كيف يكون ذلك ؟ هل هو لأجل اقتداء الأمة به أو ليميز الناصح من الغاش ..
ـ تأسيس المجتمع الاسلامي على أساس المشاورة : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى: 38) يلاحظ أن سياق الآية هو سياق المدح وأنه حالة دائمة متكررة ، فهم مستجيبون لربهم ، ومقيمون للصلاة ، وأمرهم ( وهو شؤونهم العامة ) شورى ، وهم منفقون .
ولقد كان الأمر هكذا لولا غلبة حالات الاستبداد في بعض العصور ، فإنه قد نقل د أحمد شوقي الفنجري بأنه في إحدى المواجهات بين المسلمين والفرس أراد قائد الفرس أن ينهي المعركة سلما فتفاوض مع قائد المسلمين ، وعرض عليه فأجابه هذا بأنه لا بد أن يتشاور مع الجنود ، فقال القائد الفارسي ، إنا لا نولي من يشاور الجنود ، فقال المسلم ، لكننا لا نولي من لا يشاور الجنود ، ولذلك تنهزمون وننتصر .
ـ في العائلة : لا استبداد وإنما عن تراض بينهما وتشاور .. فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما .