الحسين في وجه الاستبداد

محرر الموقع
قال الحسين عليه السلام : ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غير .. ثورة الحسين كانت الصرخة الأولى في وجه الاستبداد السياسي في الأمة . وبمقدار ما يكرر الاستبداد نفسه في صورة تمجيد أصحابه ، تتكرر صرخة الحسين  . ماذا يعني الاستبداد السياسي ؟ الذي ثار عليه الحسين : سوف نستعين هنا بكلمات اثنين من علماء الدين الأول : مفكر من أهل السنة ، وينتمي نسبا إلى الرسول وهو الشيخ عبد الرحمن الكواكبي الحلبي توفي سنة 1902 م / 1320 .. كانت له معاناة مع الاستبداد ، وكتب كتاب ( طبائع الاستبداد ) . والثاني : رأس المدرسة الأصولية في العصر الحديث المحقق النائيني ، توفي 1355 هـ . الاستبداد كما قال الأول : هو تصرف فرد أو جماعة في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة. وأما النائيني فقال : استيلاء وتملك يتعامل فيه السلاطين مع الرعية كما يتعامل المالكون مع أموالهم الشخصية ويعتبرون الناس عبيدا لهم . وربما تطاول بعضهم فقال : أنا ربكم الأعلى وأنه لا يسأل عما يفعل . ويتفق المسلمون على أن المرحلة التي تلك عصر أمير المؤمنين  كانت قد بدأ معها الملك العضوض ، الاستئثاري ، والاستبداد السياسي ، فقد نقلوا عن النبي  : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا ، اتخذوا دين الله دغلا ومال الله دولا وعباده خولا .. رواه عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي ونقله عنه ( الطبراني في المعجم وأما في كتب الشيعة ففي البحار وغيره ) . ** من أمثلة ذلك المباشرة : قول عبد الملك بن مروان ( لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه ، وإن الجامعة التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد لعندي ) . وقول الحجاج الثقفي : والله لا آمر أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من غيره إلا ضربت عنقه). ** ويزيد بن معاوية : إن بايع الحسين وإلا فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه . كيف ينشأ الاستبداد وتتراجع الشورى ؟ مع ملاحظة أن نظام الإسلام قام على تركيز الشورى والحرية كما في ( وأمرهم شورى بينهم ) ( وشاورهم في الأمر ) . فكيف ينشأ الاستبداد مع ذلك ؟ 1/ جهل الناس بحقوقهم : ولهذا وجدنا الولاة الصالحين ، يصرحون بأن للناس حقوقا ، انظر إلى كلام أمير المؤمنين ( إن لكم علي حقا ) وفي رسالته لمالك الأشتر يبين فيها حقوق العامة وأن رضى العامة أولى من رضى الخاصة . 2/ استمراء الخضوع والذل والتعود عليه : يرى أحد الكتاب الغربيين : أن المستبد هو صنيعة المستبَد بهم وأنهم هم الذين أعطوه الكف التي تصفعهم ، والرجل التي تدوسهم ، ولو رفعوا يدهم عنه لسقط كالتمثال ) من هنا رأينا توجيهات : كونوا أحرارا في دنياكم ، والموت في حياتكم مقهورين ، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا ( مقارنة بين كلام الامام علي  وبين كلام الخليفة عمر : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) . كلام المحقق النائيني أنه يلزم رفض الاستبداد لأنه ينتهي إلى الشرك بالله . 3/ تمجيد الاستبداد : عندما يقوم البعض بصنع فيلم عن الحجاج الثقفي أو تمجيد يزيد بن معاوية ، فإنما يهدفون إلى تمجيد الاستبداد واستمرار طريقته . القول بأنه : إنما العاجز من لا يستبد ، ويقال أن هذا هو الذي حمل هارون على نكبة البرامكة . آثار الاستبداد في الأمة : عبر عنه الكواكبي والنائيني بأنه أساس الانحطاط في الأمة ، وسبب تخلفها .وهكذا ما جاء في تقرير التنمية العربية لعام 2004 م . 1/ أنه يخلق الانسان العاجز والمجتمع العاجز ، الذي لا يملك حولا ولا طولا ، فإن الاستبداد يعني أن كل شيء بيد المستبد ، وحين يكون كذلك لا يشعر من حوله بالقدرة ، فيكون عاجزا عن مواجهة التحديات ، ولذلك تسقط الدول المستبدة في أول مواجهة .. عاجز في الفكر : لأنه يؤمن بشخص يقول : ما أريكم إلا ما أرى . وما علمت لكم من إله غيري ، وآمنتم له قبل أن آذن لكم ؟ 2/ يعلم الاتباع الكاذب و المخالفة المستترة : ويبعد عن الصدق ، فإن الصدق عند المستبد مهلكة ، والرأي الصحيح مشكلة ولهذا يطيع الناس في الظاهر ويخالفون في الواقع ، تماما كما جرى في قصة السلطان الذي أمر الناس أن يملؤوا القدر الكبير لبنا فملؤه ماء . 3/ إعادة إنتاج الاستبداد في المجتمع : فالمواطن خانع لمن فوقه أسد على من تحته .. الرجل يستبد بالمرأة والمرأة بطفلتها ، والمدرس بطلابه ، والطلاب بالطبيعة وهكذا .. السلطان برجل الدين ، وهذا بمن يتبعه . الاستبداد والديمقراطية : البعض يعارض الديمقراطية بزعم أنها وافد غربي ، فيتمسك بالاستبداد ، وإذا نظرنا إلى القيم التي يتحدث عنها في النظام الديمقراطي ، من اختيار الناس ورأيهم بما في ذلك حق المرأة في الانتخاب .، ومن سيادة القانون فوق الحاكم والمحكوم ، ومن مساءلة ومحاسبة الجميع ، وفصل السلطات عن بعضها واستقلالها .. لرأينا أن أكثرها لا يبتعد عن الدين . ** رفض الحسين لبيعة يزيد هو رفض للاستبداد بأعلى الأصوات .