التشيع في مرحلته الجديدة (فكر جديد لواقع جديد)
(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (لأنفال:26) * ضمن التغيرات والتحولات التي تحدث في العالم ، حيث لا يستقر على حال واحدة خلافا لما تتصوره بعض العقول المتكلسة ، التي تعيش بعقلية القرون الأولى ، تغير وضع الشيعة في العالم بنحو واضح ، ومع الوجدان لا يحتاج الانسان إلى إقامة برهان .
ومن البين أن الشيعة يعيشون في مرحلة نهوض عام ، لم يشهدوها في تاريخهم الطويل : من معالم هذه المرحلة : أنهم أصبحوا حاكمين لأنفسهم في مواضع ، وشركاء في بعضها الآخر ، ومعترفا بهم في ثالثها .
من معالمها أنهم قدموا نظرية طبقوها عن إمكانية قيام نظام شيعي ديني يستطيع أن يستجيب بفقهه لحاجات العصر ، وأن يبنوا دولة حديثة .. كما قدموا نظرية وتطبيقا لنظام اجتماعي مسالم ومتشارك مع اختلاف مكوناته الدينية والمذهبية والقومية .. وقدموا نظرية وتطبيقا في مقاومة العدو الأخطر للأمة .
• مرحلة النهوض الجديد هذه تحتاج إلى أدوات وآليات ، ذلك أن كل مرحلة لها أدواتها وآلياتها ، طريقة تفكيرها وأسلوب خطابها ، ومن الخطأ أن تقوم المجتمعات باستعمال أدوات كانت لمرحلة في مرحلة أخرى ، فإن ذلك يشبه أن تستعمل التنقل بالجمل في وقت التنقل بالطائرات ، أو إرسال الرسول الشخصي في عصر الجوالات !
• فما هي أدوات وآليات ومقتضيات هذه المرحلة ؟
• 1/ تجاوز التركيز على المظلومية التاريخية للشيعة والخروج من سيطرتها : وجود تلك المظلومية أمر واضح ولكن ينبغي الخروج من سطوتها ، فإنها وإن كانت قد أدت إلى تعزيز وحدة الطائفة إلا أنها بنفس المقدار أغلقتها ، وجعلت انفتاح الغير عليها وهي على الغير أمرا عسيرا .
• بل ربما تكرس هذا الشعور في نفس الفرد الشيعي وساهم في جعله منعزلا وخائفا
2/ تجاوز الأفكار الحمائية : هناك تصوير يقوم به بعض رجالات المذاهب وهو أن المذهب السني مثلا سوف ينتهي على أثر تمدد الأخطبوط الشيعي كما قال بعضهم في العالم ، أو أن التشيع سيندثر على أثر فتوى من فلان أو نقاش من قناة فضائية أو كتاب يوزع مجانا ، فيستثيرون الهمم والعواطف لمواجهة هذا وتلبس الدروع المضادة ..الخ .هذه الحالة كانت واحدا من أهم أسباب عدم التلاقي بين الفئات الاسلامية وشعور بعضها بالشك تجاه البعض الآخر .. نقول بالفم المليان : لا خوف على التشيع من باقي المذاهب ، ولا خوف على باقي المذاهب من التشيع .. وأن يتحول شخص لمذهب آخر ليس نهاية العالم .. ولا يبرر تلك الأفكار الحمائية ، ولهذا نعتقد أن على الجميع أن ينطلق في أفق التلاقي كما سيأتي .
كما لا خوف على التشيع مما يجري فيه من نقاش في التفاصيل سواء وافق المشهور أو خالفه ، والتصور بأن أحدا إذا قال فكرة معينة أو ناقش قضية ، فقد انتهى المذهب على أثر ذلك ، يبين عدم المعرفة بحركة الأفكار والمذاهب .
3/ التواصل مع باقي مكونات المجتمع بل الأمة : بالطبع لا بد من البحث عن المشتركات للتواصل .. إن أمامنا سيلا من الكلام والثقافة والأمثال ، بل الممارسات ، من التاريخ ومن الحاضر مما يعقد عملية التواصل .. لكن لا بد من صنعاء وإن طال السفر .
لن يمكن التواصل على أساس إقناع باقي الفئات بمسائلنا العقدية أو الفقهية ، ولا هم ولا ينبغي أن يكون ذلك شرطا مسبقا .. وإنما التعارف ( لتعارفوا ) والحوار على أساس ( كلمة سواء ) لا على أساس تصيد العورات وبيان الاختلافات والافتراقات ، والتناصف . على أساس المواطنة المشتركة في البلد الواحد ، والاسلام الجامع للأمة .
4/التفكير في صناعة المستقبل : مما يؤخذ على بعض أصحاب الخطاب الديني أنهم يخوضون معارك الماضي ويجددون ما انقضى منها ، وأن لديهم فنا في صناعة ثقافة الموت ، ومعالجة ما بعده ، بنفس المقدار من العجز الذي لا يستطيعون معه مخاطبة الحاضر وقضاياه والتوجيه إليه .
لقد أصبح الشاب اليوم ابن العالم على خلفية هذا التواصل الكبير للفكر ( الجيد منه والرديء ) ماذا أعددنا له . كيف يخدم أبناء المجتمع وطنهم ودينهم من خلال مؤسسات المجتمع المدني والأهلي ؟ كيف ينمون وضعهم الاقتصادي في عالم أصبحت التجارة الالكترونية فيه هي المستقبل ، لم يعد كما في السابق مقيدا بإجازة موظف البلدية أو غيره ؟ كيف يخاطبون المستقبل من خلال التخصص في المسائل العلمية والمعلوماتية ؟ كيف ينشرون ما لديهم من خلال وسائل النشر الالكتروني ؟
إن مشكلة بعض المجتمعات مع الأفكار الجديدة هي أنها لا تستجيب لها أو أنها تستجيب لها بنحو سلبي حتى إذا فرضت هذه نفسها ، تنازلت المجتمعات عن موقفها الرافض بالتدريج .. ورفضها لم يكن مبررا وإنما كان قائما على أساس الاستيحاش من الجديد.
انظروا كيف كان موقف هذه المجتمعات مثلا تجاه التعليم الرسمي في البلدان ؟ وتجاه العمل في مؤسسات ودوائر الدول ؟ ( ما ينقله على الوردي عن رفض الشيخ الخالصي مقابلة المندوب البريطاني ففات على الشيعة شيء كثير ) . ضد الراديو والتلفزيون والفضائيات ، والانترنت .. في بعض بلدان الخليج ضد القوانين الجديدة .. ( الأحوال الشخصية ..) البعض ضد تنظيم القضاء الشرعي وهكذا ..
** نحن نحتاج إلى فكر تجديدي وحدوي وطني.