برامج الحوار العقدي .. إلى أين ؟

محرر الموقع

مع انتشار الفضائيات وكثرتها ، ظهرت البرامج الحوارية بكثافة مثيرة للانتباه ، حتى صارت بالنسبة إلى بعض هذه القنوات ـ مع قلة البرامج التي تحتاج إلى إمكانيات ـ تشكل أغلب فترات البث !

وتنوعت هذه الحوارات ، من سياسية إلى دينية ، ومذهبية ، وهي التي تستحوذ في الغالب على نسب غير قليلة من المشاهدين ، لما تثيره في نفس المشاهد من مشاعر بالمناصرة لمن يلتزم جانبه ومشاعر مضادة وناقمة لمن يكون في الطرف الآخر ..

ويتفنن المحاورون في إثارة التناقض بين الطرفين إذا ما بدا أنهما يقتربان للاتفاق ، والحنق فيهما إذا ما مالا إلى الهدوء ، وهكذا .. ليبقى البرنامج صاخبا ومستحوذا على انتباه المشاهد !

ولا ريب أن الحوار حالة طبيعية في الانسان لكي يتعرف على غيره ، فيعرف من خلال الحوار أفكاره ، ويستفيد منها ، وتبدأ هذه الحالة عندما يلتقي اثنان يجهل كل منهما الآخر ، فيتحدثان ويتحاوران ويتعارفان بالتالي ، وتمر بالمذاهب ، وتنتهي بالأديان بل والحضارات .

فهو بغض النظر عن كونه مطلبا شرعيا ( لتعارفوا ) هو أمر فطري وطبعي .

إلا أنه ليس كل حوار مطلوبا مهما كانت نتائجه وأغراضه .. وحين نتحدث عن الحوار المذهبي أو الديني أو حتى الحضاري ، نرى أنه لا بد أن تتوفر أمور حتى  يعود نافعا :

منها أهداف الحوار ـ  وبيئته .

أهداف الحوار :

لا يملك الإنسان غير مدة محدودة من العمر لا تفي بأن يتحاور في كل شيء ولأجل كل شيء ، فلا بد أن ينتخب من الحوارات ما يحقق أغراضا صحيحة .. ومطلوبة . وفي الحوار المذهبي ، والديني نعتقد أن هناك ثلاثة أهداف أساسية :

ـ الحوار للتعارف : فإن الناس أعداء ما جهلوا عادة ، ويوفر الحوار الهادف إمكانية في التعرف على ما يقوله الطرف الآخر ، فبغض النظر عن أننا نقبل ما يقول أو لا نقبل ، ينبغي أن نعرفه كما يصف نفسه .. إن مرحلة المعرفة للشخص أو الفكر هي قبل مرحلة القبول أو الرفض .

( فكم من عائب قولا صحيحا     وآفته من الفهم السقيم ) .

 إن من المشاكل القائمة بين المسلمين أنفسهم ، وبينهم وبين غيرهم .. ما يكون منشؤه عدم المعرفة ، وفائدة الحوار أنه يمهد الطريق للتعارف .

ـ الحوار للتعايش الاجتماعي : تتجاور المذاهب في بلاد المسلمين ، والأديان في العالم ، ولا سبيل أمام هؤلاء ، لتنمية البلدان  وعمرانها ، ولا للعيش الرغيد في هذه الدنيا ، بل ( لمطلق العيش ) غير التعايش ، فإن البديل عنه هو الاحتراب ، وفيه هلاك الدارين .

الحوار يعرف كل طرف الطرف الثاني ، فيجعله أقدر على صناعة علاقة متوازنة معه .

ـ الحوار للوصول إلى نقاط الاشتراك : نقاط الاختلاف بين الأفراد ، وبين المذاهب وبين الأديان لا تنتهي .. فلو أراد شخص أن يحصر ما بينه وبين زيد من نقاط الاختلاف لانتهى عمره قبل أن ينتهي من الحصر ، لكن نقاط الاشتراك بين الأفراد وبين المذاهب والأديان محصورة ويمكن البناء عليها .. لقد وجدنا القرآن الكريم يبني العلاقة بين المسلمين وبين أهل الكتاب على ( كلمة سواء ) (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (سورة آل عمران: 64) .

إن التركيز على نقاط الخلاف ، وإبراز أوجه الفرق والتمايز ، عمل لا ينتهي إلى نتيجة غير مزيد من الانفصال الذي هو واقع أصلا .

لقد رأينا بعض البرامج هنا وهناك ، وهذه ليس فقط لم توسع من دائرة الفهم المشترك ، وإنما كان دورها ـ بوعي أو دون وعي ـ شحن النفوس ، وخلق الاصطفافات على مستوى العالم الاسلامي ، مما أضر كثيرا بمسيرة التعايش الاسلامي ..

ـ الحوار لبناء الحاضر: إن أكثر المشاكل هي مستقدمة من التاريخ ، إننا لا نستطيع إعادة عقارب الزمن للخلف لكي نصوغ التاريخ بالنحو الذي نريد ، ولا يمكن أيضا أن تتفق الرؤية بشكل كامل حول كل ما جرى في أحداثه .

لكننا نستطيع أن نتفق حول الحاضر بإقرار نقاط مشتركة تنتهي إلى ميثاق يؤسس للتعايش المذهبي والديني ، ونحمد الله أننا نجد من الفريقين نداءات في هذا الجانب .

بيئة الحوار :

نعتقد أن بيئة الحوار مؤثرة جدا في توجهاته ، فالحوار التلفزيوني العام الذي يهدف كل فريق فيه إلى كسب الجولة ، وكسر الخصم ، وتعزيز موقع الذات والأتباع لا يمكن أن ينتهي إلا إلى مزيد من الخلاف .. فإن كل فريق يريد أن يظهر أمام أتباعه بأنه حارس ( بوابة ) مذهبهم أو دينهم ، وبأنه لا يتنازل أبدا عن مقدار شبر من عقائدهم .. وما إلى ذلك ..

إن الحوار الذي يراد له الانتاج لا بد أن يكون في بيئة علمية من نخبة المجتمع من مفكرين وعلماء وأصحاب كفاءات في مجال الحوار .

 

Al-saif.net

 

 

* مجمل أفكار هذا المقال ، ملخصا كان محتوى مداخلة للكاتب في قناة دليل الفضائية يوم الجمعة 12/3/2010 م .