دراسة : صفحات من التاريخ السياسي للشيعة

محرر الموقع

اجرى الكاتب والناشط الاجتماعي عيسى العيد دراسة حول الكتاب المؤلف حديثا من قبل الشيخ : صفحات من التاريخ السياسي للشيعة:

 

بعيدًا عن الطائفية والتعصب المذهبي أصدر سماحة الشيخ فوزي السيف كتابه «صفحات من التاريخ السياسي للشيعة» والتي كانت صفحاته في الأساس محاضرات ألقيت في موسم محرم 1430هـ.

وقد قدم سماحته للكتاب بمقدمة أبرز ما جاء فيها بأن العقود الثلاثة الأخيرة من القرن المنصرم شهدت تحولا مهما في الوضع الشيعي على مستوى العالم لاحظه المراقبون وتوقفوا عند دلالاته.

بعد ذلك ذكر الشيخ السيف التحولات والتجارب التي استفاد منها الشيعة: فعلى المستوى السياسي تحقق لهم لأول مرة دولة قائمة على أساس ديني بقيادة علماء دين بعد ثورة استطاعت القضاء على النظام الشاهنشاهي الموالي للغرب. وفي مشهد أخر قدم الشيعة اللبنانيون مثالا طيبا، استطاعوا فيه إسقاط فكرة الجيش الذي لا يقهر والذي عملت إسرائيل باستمرار على تكريسها بالقول والفعل فقد خرج الإسرائيليون مرغمين تحت وطأة الضربات المتتابعة التي وجهتها لهم المقاومة في سنة 2000. وفي مجال آخر خاض الشيعة تجربة يعتقد بأنها أكثر نضجا وهي التجربة العراقية الحديثة حيث أصروا على مشاركة المكونات الأخرى في المجتمع العراقي، كما احتكموا – بالرغم من الأوضاع الأمنية والشحن النفسي – إلى صناديق الانتخابات، في نحو يذكر بالانتخابات الحرة التي تجري خارج بلاد المسلمين عادة.

بعد ذلك شدد سماحته على أن الصحوة الشيعية ليست ضد فئة حيث قال " مما يؤسف له أن قسما من أبناء الأمة تعامل مع هذه الصحوة والنهضة تعاملا طائفيا غير مبرر، وكأنها موجهة ضد الطوائف الأخرى في الأمة، فبدأ بالتشويش عليها والتهويل مما وصفه بآثارها السلبية وهذا التعامل شمل السياسيين وقسما من المفكرين، ومن الطبيعي أن الجمهور سيسلك نفس الطريق هذا".

وأشار السيف إلى" أن هذه الصحوة وهي شأن داخلي بالدرجة الأولى، حصلت عندما توجه الشيعة إلى أهمية تصحيح قسم من الأفكار السائدة، وتعديل بعض الممارسات القائمة، الأمر الذي أنتج بمجموعة ما قدمنا ذكره.. وحيث أن الشيعة ليسوا فئة معزولة جغرافية بل هي متداخلة مع أبناء الطوائف الأخرى، ومع ملاحظة سهولة التواصل وتبادل التأثير في ظل عولمة الاتصال والمعرفة.. حدث في صفوف بعض المسلمين تجاه مذهب أهل البيت.. مثلما يحصل عادة من تأثير بعض المجتمعات بوجود حركة أو حزب عامل.. حتى لو لم يكن في نظر تلك الحركة أن تؤثر في المجتمع، فان قانون المجاورة يقتضي ذلك.

وقد قسم الكتاب بعدة محاور طرحها سماحته بأسلوب سلس ومشوق للغاية والذي بدائها:

مكونات الهوية الشيعية:

وقد تطرق الشيخ فوزي إلى أن الشيعة جزء في هذا العالم ويريدون التعبير عن هويتهم الخاصة، وتعريف العالم بها، بدلا من أن يقوم الآخرون بتعريفهم، فان تقديم هوية مخالفة من قبل شخص يعتبر تزويراً، فكيف يكون الأمر حين تقدم هوية كاذبة هن مجتمع يقدر بمئات الملاين؟

الصورة الكاذبة التي عُرّف الشيعة بها للآخرين هي هوية مزورة «شملت العقائد والأخلاق والتكوين الجسدي».

بعد ذلك تطرق الشيخ السيف إلى الآثار المعاكسة للهوية المزورة حيث قال«غير انه كان لهذه الهوية المزورة بعض النتائج المعاكسة لإرادة ناشريها، حيث دفعت الكثير من الناس إلى التفتيش عن الشيعة والتشيع.»

ثم أجاب سماحته عن تساؤل ما هي مكونات الهوية الشيعية؟

قال المقصود هنا: العلامات التي تترافق مع وجود الكيان المحدد، سواء منها العقدية أو الاجتماعية.. ولا تدخل فيها الأمور التفصيلية، كبعض المسائل الفقهية أو العقدية «كالمتعة، والرجعة».

فمن تلك المكونات:

الإيمان بالإمامة المنصوصة المعصومة: يتميز شيعة أهل البيت باعتقادهم باثني عشر إماما معصوما.

الإيمان بالإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري باعتباره الإمام الثاني عشر الموجود بالفعل.

محورية القضية الحسينية:يتميز الشيعة في كل مناطقهم بجعل القضية الحسينية محورا جامعا معبرا عن وجدهم.

الارتباط بالمرجعية الدينية.

ثم انتقل سماحته إلى المحور الثاني، الذي تحدث فيه عن عدد الشيعة في العالم، وقد عبر عن ذلك بقوله «تختلف التقديرات قلة وكثرة، فالشيعة يكثرون من عددهم فيقولون هم نصف المسلمين، وغيرهم يقللون العدد إلى حد انه قد قيل إن عددهم هو 70مليون.

وأفاد السيف بان الانتشار الجغرافي للشيعة في العالم كمواطنين أصليين مر على وجودهم في تلك المناطق قرون وتمتد هذه المناطق في كل القارات القديمة «آسيا وأفريقيا» ففي الهند 40مليون/ وفي الباكستان35مليون/ايرانت60مليون/أفغانستان8ملاين/ادربيجان8ملاين/تركيا3 ملاين/ نيجيريا15مليون/العراق 15مليون/طاجيكستان2مليون.

على صعيد آخر ذكر سماحته إلى تاريخ التشيع والشيعة في أربع مناطق تتمتع بأهمية استثنائية وهي العراق بدءا من تمصير الكوفة وتحول الإمام علي إليها فيما بعد،إلى أن تحول العراقيون في أكثريتهم إلى المذهب في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي. ولبنان التي تحول فيها التشيع اليوم إلى ما يشبه بيضة القبان، كان لهم تاريخ يبدأ من هجرة الهمدانين من الكوفة. كما تطرق إلى تاريخ التشيع في إيران وتبين فيه كيف أن التشيع في مختلف مراحله وصل وانتشر في إيران بواسطة الرواة والعلماء العرب الذين قدموا من الكوفة أولا ثم لبنان والبحرين ثانيا. وفي الاستعراض التاريخي تحدث الشيخ عن التشيع في القطيف والاحساء والذي بدأ مع إسلام عبد قيس في حوالي السنة السادسة للهجرة.

على صغر حجم الكتاب إلا انه يمتاز بأهمية مادته التاريخية والمعاصرة ولا يخلو من عنصر الإثارة والتشويق وسلاسة الطرح، وبمادته الحيوية يصلح كمصدر ووثيقة هامة للباحثين في التاريخ السياسي الشيعي، كما انه يلبي رغبة غير المختصين خصوصا المهتمين بالاطلاع على نهضة التشيع في العصر الحديث.